سورة التكوير - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التكوير)


        


{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} وهي الجارية المدفونة حية، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيؤدها، أي يثقلها حتى تموت، وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة، يقال: أود هذا ليس بصحيح من حيث البناء لأن الموؤدة من الوأد لا من الأود يقال وأد يئُد وأدا، فهو وائد، والمفعول مؤود.
روى عكرمة عن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وكان أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلامًا حبسته. {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} قرأ العامة على الفعل المجهول فيهما، وأبو جعفر يقرأ: {قتلت} بالتشديد ومعناه تُسْأل المؤودة، فيقال لها: بأي ذنب قُتِلَت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها، لأنها تقول: قُتلت بغير ذنب.
وروي أن جابر بن زيد كان يقرأ: {وإذ المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت} ومثله قرأ أبو الضحى. {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} قرأ أهل المدينة والشام وعاصم ويعقوب: {نشرت} بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد، كقوله: {يؤتى صحفا منشرةً} [المدثر- 52] يعني صحائف الأعمال تنتشر للحساب. {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} قال الفراء: نزعت فطويت. وقال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف. وقال مقاتل: تكشف عمن فيها. ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه، كما يكشط الجلد عن السنام.


{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} قرأ أهل المدينة والشام، وحفص عن عاصم: {سُعِّرت} بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف أي: أوقدت لأعداء الله. {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} قربت لأولياء الله. {عَلِمَتْ} عند ذلك {نَفْسٌ} أي: كل نفس {مَا أَحْضَرَتْ} من خير أو شر، وهذا جواب لقوله: {إذا الشمس كورت} وما بعدها. قوله عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} لا زائدة، معناه: أقسم بالخنس {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} قال قتادة: هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار، فتُخفى فلا تُرى.
وعن علي أيضا: أنها الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى، وتكنس تأوي إلى مجاريها.
وقال قوم: هي النجوم الخمسة: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، تخنس في مجراها، أي: ترجع وراءها وتكنس: تستتر وقت اختفائها وغروبها، كما تكنس الظباء في مغارها.
وقال ابن زيد: معنى {الخنس} أنها تخنس أي: تتاخر عن مطالعها في كل عام تأخرًا تتأخره عن تعجيل ذلك الطلوع، تخنس عنه. و{الكُنَّس} أي تكنس بالنهار فلا ترى. وروى الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الله أنها هي الوحش.
وقال سعيد بن جبير: هي الظباء. وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء، والكنوس: أن تأوي إلى مكانسها، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش. {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} قال الحسن: أقبل بظلامه. وقال الآخرون: أدبر. تقول العرب: عسعس الليل وسعسع: إذا أدبر ولم يبق منه إلا اليسير. {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أقبل وبدا أوله، وقيل: امتد ضوءه وارتفع. {إِنَّه} يعني القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يعني جبريل أي: نزل به جبريل عن الله تعالى.


{ذِي قُوَّةٍ} وكان من قوته أنه اقتلع قريات قوم لوط من الماء الأسود وحملها على جناحه فرفعها إلى السماء ثم قلبها، وأنه أبصر إبليس يكلم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدسة فنفخه بجناحه نفخة ألقاه إلى أقصى جبل بالهند، وأنه صاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين، وأنه يهبط من السماء إلى الأرض ويصعد في أسرع من الطير {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} في المنزلة. {مُطَاعٍ ثَمَّ} أي في السماوات تطيعه الملائكة، ومِنْ طاعة الملائكة إياه أنهم فتحوا أبواب السماوات ليلة المعراج بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتح خزنة الجنة أبوابها بقوله، {أَمِينٍ} على وحي الله ورسالته إلى أنبيائه. {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} يقول لأهل مكة: وما صاحبكم يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم بمجنون. وهذا أيضا من جواب القسم، أقسم على أن القرآن نزل به جبريل، وأن محمدًا ليس كما يقوله أهل مكة، وذلك أنهم قالوا إنه مجنون، وما يقول يقوله من عند نفسه. {وَلَقَدْ رَآهُ} يعني رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته {بِالأفُقِ الْمُبِينِ} وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق، قاله مجاهد وقتادة.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا الحسن بن عليوة، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، أخبرنا ابن جريج، عن عكرمة ومقاتل عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء» قال لن تقوى على ذلك، قال: بلى، قال: فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال: بالأبطح، قال: لا يسعني، قال فهاهنا، قال: لا يسعني، قال: فبعرفات، قال: ذلك بالحري أن يسعني فواعده، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت فإذا هو بجبريل قد أقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كبّر وخرّ مغشيًا عليه. قال: فتحول جبريل في صورته فضمه إلى صدره، وقال: يا محمد لا تخف فكيف لك لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وأن العرش لعلى كاهله، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله عز وجل حتى يصير مثل الصعو يعني العصفور، حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته.

1 | 2 | 3